الدولة الغزنوية
2- الدولة الغزنوية التركيبة : وهي وليدة الدولة السامانية في منتصف القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) وكان مؤسسيها الأول مملوكاً تركياً من مماليك السامانيين في بخاري، وهو الأميرة "البتكين " الذي ولاه "السامانيون" على "غزنة، بالقرب من " كابل " في أفغانستان شمالي الهند. وهناك استطاع "البتكين " أن يقيم دولة مستقلة عن السامانيين- إلا من ناحية التبعية الاسمية- هي الدولة الغزنوية.
وبعد وفاة البتكين آلت الأمور إلى مملوكه وزوج ابنته "ناصر الدين سبكتكين "، الذي حارب باسم السامانيين في بلاد الهند الشمالية، فاستولى على "بست " ويقصدار" سنة 368 هـ، وهزم جيوش "جيبال " راجا لاهور على حدود البنجاب.
وجاء بعد سبكتكين ابنه "محمود الغزنوي " (388- 421 هـ- 998- 30 10 م) الذي بلغت الدولة الغزنوية في عهده ذروة ازدهارها، فألغى اسم السامانيين من الخطبة في مملكته، وخطب للخليفة العباسي القادر بالله، الذي أنعم عليه بلقب يمين الدولة وأمين الملة، وهو بمثابة تقليد رسمي من الخلافة، كما حصل أيضا على لقب "الغازي " وهو من أوائل الألقاب في الإسلام. هذا إلى جانب لقب سلطان الذي يعتبر "محمود الغزنوي " أول من تلقب به من الغزنويين بعد أن كانوا يتلقبون بلقب أمير.
ويؤثر عن "السلطان محمود الغزنوي " أنه غزا بلاد الهند أكثر من اثني عشرة مرة مدفوعا، في ذلك بعامل الجهاد الديني والرغبة في نشر الإسلام بين الهنود الوثنيين. واستطاع بذلك أن يبسط نفوذه إلى ما وراء كشمير والبنجاب ويحطم أصنامهم، وأن يجعل من إقليم البنجاب ولاية إسلامية قاعدتها مدينة لاهور، ويحكمها ولاة مسلمون من قبل الغزنوية، وهكذا تعتبر الدولة الغزنوية أول دولة إسلامية في الهند.
وتجدر الإشارة إلى أن المسلمين الأوائل في أواخر القرن الأول الهجري، كانوا قد فتحوا إقليم السند في شمال غرب الهند على يد"محمد بن القاسم الثقفي " . وها هو ذا " محمود الغزنوي " في أواخر القرن الرابع الهجري يضيف إلى السند أقاليم البنجاب، والملتان، والبنغال، وهي الأقاليم التي تكون في مجموعها ما يسمى الآن بدولتي باكستان وبنغلاديش الإسلاميتين.
كذلك ظهرت في الهند على عهد "محمود الغزنوي " لغة الأردو (أي المعسكر) وهي مزيج من عدة لغات منها الفارسية والتركية والعربية والسنسكريتية الهندية القديمة. ولم تلبث هذه اللغة الأردية أن صارت لغة الهند وباكستان وبخط عربي.
ولقد عاش في كنف الغزنويين عدد من كبار العلماء والشعراء، نذكر منهم الشاعر الإيراني المشهور " أبا القاسم الفردوسي " الذي أهدى السلطان "محمود الغزنوى" ملحمته الشعرية الفارسية "الشاهنامة" التي يعتبرها الإيرانيون من مفاخرهم الأدبية، لأنها تقص أخبار ملوك الفرس القدماء. وقد منحه السلطان "محمود الغزنوي " ستين ألف مثقال من الفضة على عدد أبياتها. كذلك نذكر المؤرخ " أبا نصر محمد بن عبد الجبار العتبى " الذي كتب تاريخا عن حياة "محمود الغزنوي " وجهاده إلى سنة 409 هـ، وسماه " تاريخ اليميني " نسبة إلى لقبه يمين الدولة. وقد ألف هذا الكتاب باللغة العربية لكي يقرأه أهل العراق. وهناك العالم المؤرخ "أبو الريحان البيروني الخوارزمي (ت 440 هـ) " الذي صحب محمود الغزنوي في بعض غزواته بالهند ثم استقر معه في غزنة متمتعاً بمكانة سامية. وقد ألف "البيروني " عدة كتب بالفارسية والعربية نذكر منها كتاب "القانون المسعودى " الذي أهداه إلى السلطان "مودود بن مسعود"، هذا إلى جانب تاريخه المشهور باسم "الآثار الباقية عن القرون الخالية"، الذي تحدث فيه بالعربية عن الجماعات والطوائف والشعوب القديمة، مع ذكر أعيادها واحتفالاتها الدينية والقومية. وقد نشر هذا الكتاب وترجمه إلى الإنجليزية "أدوار سخاو" في القرن الماضي. وأخيرا نشير إلى المؤرخ الفارسي "أبي الفضل محمد بن حسين البيهقي (ت 470 هـ) " الذي كتب بالفارسية تاريخا " للسلطان مسعود ووالده محمود الغزنوي " عرف "بتاريخ البيهقي ". وقد نقل د. يحيى الخشاب ما تبقى من هذا الكتاب إلي اللغة العربية سنة 1956.
وانتهت الدولة الغزنوية في القرن السادس الهجري (12 م) على أيدي قوتين كبيرتين هما: قوة الغوريين الأفغان، وقوة السلاجقة الأتراك.
اكتسب الغزنوي مكانته في التاريخ بفتوحاته التي لم تُسبق، وبجهوده الحضارية التي لم يشغله عنها فتوحاته وغزواته، وكان العزنوي نفسه مولعا بعلم الحديث، يستمع إلى علمائه كما كان فقيها له مؤلفات، ولا يكاد يسمع بعالمٍ له مكانة حتى يستدعيه إلى دولته، فاستقدم "أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني" المتوفى سنة (440هـ= 1049م) الذي نبغ في علوم كثيرة، في مقدمتها الرياضة والفلك، وعُدّ من أعظم رجال الحضارة الإسلامية، وتُرجمت كتبه إلى اللغات الأوروبية، وأطلقت روسيا اسمه على جامعة أنشأتها حديثا.
وعني السلطان بالشعر وكان له به شغف، ومن أشهر الشعراء الذين ازدانت بهم دولته الشاعر الفارسي "عنصري" وكان نديما للسلطان وشاعرا له، منحه لقب "ملك الشعراء" في مملكته، و"المسجدي"، و"الفرخي" وهو شاعر فارسي عظيم قيل فيه: إن الفرخي لدى الفرس بمثابة المتنبي لدى العرب.
أما أبرز الشعراء في هذا العصر فهو "الفردوسي" صاحب "الشاهنامة" التي نظمها في خمسة وعشرين عاما من الجهد والإبداع، وتشمل أخبار الفرس القدامى، وهي من عيون الأدب العالمي.
ومن أبرز كتّاب الدولة ومؤرخيها "أبو الفتح البستي" وكان كاتبا للسلطان وموضع سره ومستشاره في كثير من الأمور، وله شعر رائق ونظم جيد، و"أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبي" مؤرخ الدولة الغزنوية وكاتب السلطان مع أبي الفتح البستي، له كتاب "اليميني" نسبة إلى يمين الدولة لقب السلطان محمود الغزنوي، تناول فيه تاريخ الدولة الغزنوية.
وأصبحت غزنة في عهد السلطان محمود منارة للعلم ومقصدا للعلماء، وغدت عامرة بالمساجد والقصور والأبنية التي لا تقل بهاءً وجمالا عن المنشآت الهندية التي اشتهرت بدقة التصميم وجمال العمارة.
محمود وعياذ. السلطان إلى اليمين, يصافح يد الشيخ, بينما عياذ يقف خلفه. الشخص الواقف على يمينه هو شاه عباس الأول الذي حكم بعد نحو 600 عام.
الدولة الغزنوية وحدودها
http://www2.0zz0.com/2010/12/02/04/149471751.pngعملات يمين الدولة محمود, حوالي 998 م- 1030 AD, AR Dirham,Issued from Gazani.
مئذنة غزنوية في غزنة، أفغانستان. أحد الآثار القليلة التي بقيت من المجد الغزنوي.
الدولة الغزنوية وحدودها
[img]
[/img]