- قصة كاتدرائية الملك أولاف - والنحات العراقي المسلم الذي يُساهم في ترميم التماثيل و النقوش
- صادق الصافي -
اتفق مع المقولة الشائعة - كل بعيد هوقريب بقدر ما نعرفهُ ,و كل قريب هو بعيد بقدر ما نجهلهُ , أؤمن بالأتصال والحوار بين كل الحضارات وأنا المهتم والدارس والباحث في مجالها
,ومن حسن الحظ أن أقترب من أحد الصروح الآثارية المهمة - كتدرائية نبداروس- المقدسة لدى المسيحيين في النرويج .
و بدعوة من فنان صديق تجمعني معه مشتركات عدة منها الوطن والصُحبة و الثقافة حيث سعينا سوية لتأسيس جمعية موسوبتاميا الثقافية العراقية , النحات صادق حسين خريج أكاديمية الفنون في بغداد والحاصل على الجنسية النرويجية, هو الفنان العراقي الأصل المسلم ضمن فريق عمل فني في مدينة تروندهايم يقوم بأعمال تصاميم و ترميم وأصلاح التماثيل والنقوش الزخرفية والشخوص الأسطورية على جوانب جدران الكنيسة العريقة ,وكانت معه زميلتة الفنانة النرويجية -آنات - التي تعلمت منه بعض الكلمات ,
حيث أستقبلتني بالترحيب ب العربية - السلام عليكم -شكو ماكو -.؟
و يسرني هنا أن أروي لكم قصة - كاتدرائية نبداروس - كيف تأسست ومن أسسها ولماذا .؟
تروندهايم مدينة عريقة عمرها ألف عام تقريباً ,أسسها ملك الفايكنك - أولاف تريجافسون - وهو من المحاربين والقادة الأوائل للنرويج ,وكان تعميد الملك أولاف الأول في بريطانيا التي امضى فيها وقتا طويلاً أثرت في حياته وتحول فيها من الوثنية الى الديانة المسيحية , ترك بريطانيا وعادَ الى النرويج بسفينة عملاقة بصحبته بعض الرهبان والقساوسة ووصل تروندهايم وأستقر فيها 997م وجعل منها مركزًا تجارياً و دينياً وبدأ مسيرته في التغيير بضم قبائل الفايكنك الى المسيحية وهو أول من قام بجهد واقعي لأدخال النرويج في الديانة المسيحية وحكم امبراطورية الفايكنك بصورة موحدة تحت حكم ملك واحد , لكنهُ توفي في عام 1030م بعمر الشباب , وأصبحَ فيما بعد البطل القومي للنرويج و بنوا له مقبرة فخمة حيث الآن - كاتدرائية نبداروس- وقد دخل أولاف الأول التاريخ من أبوابه الواسعة لشهرته الكبيرة في الدفاع عن النرويج وحصل على لقب -شهيد - وبعدها - القديس - و-حامي النرويج - مما رفع مقام مدينة تروندهايم وصارت المكان الذي يحج اليه كل عيد ومناسبة وموسم الآف الزوار لنيل التبريكات وله الآن تمثال كبيريطل فيها على مدينته ,
هناك ملك آخر أقام في تروندهايم -الملك هارالد الثالث-في سنة 1066م وأبحر من مدينة تروندهايم بقيادة جيوشه لمحاولة أحتلال بريطانيا وقد سقط قتيلاً في معركة -جسرستامفورد - وهو معروف في تأريخ بريطانيا العظمى. وقد بنيت هذه الكاتدرائية في القرن الحادي عشر برعاية ملك آخر أسمه أولاف وهي مزيج من فن العمارة الرومانسيكية والجرمانية المتطور, وتمتاز بثراء الديكور في واجهة المبنى .
هناك رواية ساخرة تقول أنه بعد أنتقال الملك من تروندهايم تمرد الأهالي عليه فغضب الملك وقام بتنصيب - كلب - ليخلفه نكاية بهم , لكن رغم ذلك بقيت المدينة مركز السلطة كونها مكان للأسقف والمطران الأكبر الذي بنيت سلطته على هالة التقديس التي حصل عليها أولاف وأخذت الكنيسة تكبر لتصبح ذات طابع معماري خاص وسميت - كتدرائية نبداروس -
وتعرضت للهدم عام 1328 بعد حريق مدمر وأُعيدَ بنائها ,وفي عام 1868 أعادت الحركة الروحية والوطنية للحفاظ على معالم التاريخ والثقافة الدينية ترميم وبناء الكاتدرائية ,ودام هذا الترميم حوالي 100عام,وتضم واجهتها تماثيل عملاقة ونقوش وسلسلة من الأشكال الزخرفية من بينها تمثال كبير يمثل أحد كبار الملائكة - ميكائيل - كاملاً وهو يحمل درعاً ورمحاً , علماً بأن مدينة تروندهايم تأسست كبلدية في 1838 وتعرضت للأحتلال النازي لمده 3سنوات في الحرب العالمية الثانية وضمت لها مجموعة بلديات ريفية عام 1964م ,
وعلى مدارالتاريخ تعرضت تروندهايم الى حرائق خطيرة هدمت وخربت المدينة أو أجزاء منها حيث كانت البنايات من الخشب وجذوع الأشجار يسهل تعرضها للحرائق وأهم الحرائق حصلت في السنوات 1598و1651و1681و1708و1717و1742
و1788و1841وكان حريق سنة 1951 هدم 90بالمئة من أبنية المدينة أما حريق 1681 فأنه هدمَ المدينة بشكل كامل و بعدها أدخلت هندسة البناية الحديثة على يد الجنرال- يوهان كاسبر سيسغنون- لكي تمنع الحرائق أصبحت أماكن السكن الحديثة تتكاثر في نهاية القرن التاسع عشر,
تعتبر اليوم مدينة تروندهايم عاصمة للتاريخ والتكنلوجيا فهي مركز أشعاع مزدهر ومنطقة جذب سياحي وتجاري وثقافي وأهم معالمها جامعة النرويج للعلوم والتكنلوجيا التي أُسست عام 1759 ويدرس بها 25000 طالب من أنحاء العالم, وهناك مؤسسات تعليمية عالية للتطوير الأقتصادي والأداري ,
وتعد تروندهايم ثالث أكبر مدينة في النرويج بتعداد سكانها البالغ 168,257نسمة وتمتاز بجمال طبيعتها المكسوة بالخضرة والزهور في كل شبر وبيوتها المطرزة بالألوان الزاهية الممتدة على ضفاف النهر وتطل القلعة البيضاء على المدينة برؤيا بانورامية رائعة,وتجد أيضا الحي القديم للمنازل الخشبية كجزء من التراث القديم .
انها مدينة تتدفق منها الحياة والثقافة والحضارة .
صَادق الصَافي
النرويج - تروندهايم
sadikalsafy@yahoo.com