هوايته جمع النقود القديمة وتوثيقها ويتمنى إقامة متحف خاص:يوسف الطيار : جمعت ثلاثة آلاف قطعة نقدية نادرة بعضها يعود إلى أكثر من أربعة آلاف سنة ق.م
يحتفظ بنقود يمنية من الصدف والقواقع من العصر الحجري
تطور أستخدام النقود والمسكوكات تبعاً لتطور الفكر الأنساني واكبه أزدياد الحاجة الى التعاملات بي الأفراد فكان لابد من وجود وسيط ذوقيمة مالية أكثر اماناً وقبولاً من عملية المقايضة التي سادت عند الأنسان الأول فكان ذلك البديل عبارة عن أشياء نادرة أستخدمت كوسيلة للتبادل مثل الاصداف والقواقع والأحجار الكريمة والنادرة وقرون وأنياب الحيوانات المفترسة ورؤوس الأسهم التي كانت تصنع معظمها من حجر الصوان.. هذه الأشياء أكسبها الأنسان قيمة مالية وآعتبرها نقوداً يتم التعامل والتبادل من خلالها حتى مراحل متأخرة أي إلى فترة العصر الحجري النحاسي والذي يحددها -الدكتور محمد باسلامة- أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء من 5600 - 5000 قبل الميلاد حين أكتشف معدن النحاسي والبرونز والفضة والذهب فبدأت بأكتشافها المرحلة الثانية لتطور النقود.
ويضيف الدكتور محمد باسلامة أنه ظهرت في هذه الفترة بعض النصوص والتشريعات في عمليات تنظيم وتحديد القيمة لتلك النقود كمهام رئيسية ورسمية للدولة كحضارة بلاد « الرافدين السومرية والبابلية» والتي تعود الى الالف الثالث والثاني قبل الميلاد حيث حدد أسعار السلع والخدمات ونظمت العلاقة بين الناس حتى أنه تم وضع نصوص تشريعية حدد فيها مقدار الفائدة الى رأس المال.. والذي يعمل به حتى الآن ومن هذه القوانين «التشريعات» المعروفة ببلاد الرافدين وقبل قانون حمور ابي «1792- 1720 قبل الميلاد والقوانين هي:
1- قانون اشنونا والذي سبق قانون حمورابي بنحو قرنين من الزمن.
2- قانون عشتار والذي سبق قانون حمورابي بنحو قرن ونصف القرن.
وهذه القوانين والتشريعات صادرة عن أحدى أعرق الحضارات العربية وأن العرب - في الحضارات القديمة - أول من أطلقوا أسماء للنقود وحددوا قيماً لها حيث ذكر شيقل ، والشيقل أسم عملة من الفضة ويزن ثمانية جرامات ويقسم الى ستة « شيء» والشي هو جزء من (الشيقل) كما أن الشيقل يساوي (ميناء) من النحاس والميناء يزن 500 جرام . كما أن هذا يدحض من يقول أن معدن الفضة لم يكتشف ألا في القرن الخامس قبل الميلاد وأن النقود لم تسك من الفضة ألا في القرن الرابع قبل الميلاد .. هذا الى جانب ذكر معدن الفضة وقيمته الأسمية والرسمية وأسم الشيقل يدحض ايضاً ادعاءات من مشجعي حضارات أثينا، بل أن أغلب المصادر التاريخية تؤكد أن أثينا كانت قبل ستمائة قبل الميلاد تفتقر الى المعادن ومنها المعادن النفيسة وفي هذه الفترة بدأ سك النقود من الفضة وبدأ ذكر المعيار الاغريقي للمعادن حيث ذكر أن مائة دراخماً (درهماً) تساوي ميناء 500 جرام.
نشأة النقود اليمنية
ويواصل الدكتور محمد باسلامة قوله بأن جزيرة العرب وبحكم مجاورتها لحضارة بلاد الرافدين والنيل والتي تزامنت تقريباً مع حضارة بلاد العرب السعيدة (اليمن) وجدت بينهما علاقة وطيدة تتأثر وتؤثر على بعضها البعض, ولكن لحسن حظ بلاد الرافدين أن الأكتشافات التاريخية والأثرية ظهرت في فترة مبكرة فلم تتعرض هذه الآثار للسرقة أو المغالطة بفترات حدوثها . أما بالنسبة للحضارة اليمنية فمن سوء حظها أنها لا تزال وعلى ما يبدو بأنها تتعرض لعدد من الوصايا لا يمكن تجاوز تواريخها حتى يتسنى أن ينسب أي معلم او دليل أثري تاريخي وحضاري يمني الى حضارات أخرى ولهذا لم يتمكن بعض العلماء والمؤرخين من تحديد نشأة ووجود النقود في اليمن وتطورها حيث وجدت نقود يمنية من الأحجار والمتحجرات (الصدف والقواقع) يعود تاريخها الى العصر الحجري والتي هي بحوزة يوسف مهيوب الطيار.
وعما يكتنزه عاشق النقود الأخ يوسف مهيوب الطيار ويُعد من أكثر الناس شغفاً وولعاً بجمع العملات المختلفة حيث بدأ بعملية جمع النقود والمسكوكات منذ طفولته فجمع خلال ثلاثين عاماً من عمره مايزيد عن 3000 قطعة نقدية نادرة يعود عمر بعضها الى أكثر من 4000 سنة قبل الميلاد وربما أقدم من ذلك .. ولم يقف عند هذا بل قام بتوثيق العملات اليمنية بتسلسل زمني شبه مكتمل منذ بداية أستخدام النقود في مراحل ما قبل التاريخ مروراً بالحضارات اليمنية القديمة والعصور الاسلامية الى عصرنا الحالي.
بطاقة هوية
ويوسف الطيار يعرف بداية النقود أو المسكوكات القديمة بأنها بطاقة هوية وتعريف بشعب أو أمة ما في مرحلة من المراحل.. التأريخ وما تعكسه من قيمها الروحية والمادية واللغة السائدة ونظام الحكم والمعتقدات الدينية والمستوى الثقافي له في هذه المرحلة.. هذا الى جانب نوع المعدن وقيمته كتعبير عن المستوى الاقتصادي.. اذاً هي سجل تاريخي يوثق الأحداث بكل أمانة ..
وقسم هاوي جمع النقود القديمة - يوسف الطيار ما يمتلكه من نقود ومسكوكات التي تم تداولها في اليمن عبر مراحل التأريخ ومنذ مابعد المقايضة وهو ما تبادله الأنسان اليمني الأول وهي عبارة عن قواقع بحرية ومتحجرات طبيعية لم يضف اليها الانسان أية اضافات.
ثم بدأ تدخل الأنسان اليمني مع تطور فكره المبكر في صنع ما يشبه السهم من حجر الصوان الى أن تم تشكيل قطع من الرخام على هيئة روؤس صقور ربما كان للصقر أو النسر مدلوله عند الأنسان اليمني الأول كرمز للقوة والرفعة فتواترت عبر الأجيال حتى الآن ومع ظهور أكتشاف المعادن أستخدم الأنسان اليمني معدن البرونز فبدت أشكال النقود عبارة عن قطع متوازية الشكل وعليها نقشاً جميلاً خاصة وأنها واكبت ظهور الكتابة والتصوير على النقود ويملك يوسف الطيار أربع قطع نقدية صغيرة جداً من ضمن هذه المجموعة والتي لا تتعدى الواحدة منها حجم حبة العدس ومع ذلك حملت عدداً من الكتابات والنقوش بما يدل على عبقرية وعظمة الأنسان اليمني ومن المرجح أن هذه النقود تعد أصغر قطع نقدية عرفها التاريخ .
وينتقل يوسف الطيار بما يمتلكه من قطع نقدية الى دول وعصر الحضارة اليمنية القديمة (سبأ وحضرموت وحمير) ويعتقد يوسف الطيار أنه يصل عمر أقدم قطع هذه المجموعة الى حوالى 2000 سنة قبل الميلاد والتي تعتبر بمجملها لوحة فنية تحمل الرسومات والصور لأوجه وبأتجاهات مختلفة.
الدينار الأسلامي
الى جانب ذلك ومن ضمن ما يمتلكه يوسف من العملات اليمنية النادرة الدينار الأسلامي والمنقوش على واجهته (الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد) ثم الدينار الذهبي العباسي والدرهم الفضي العباسي والذي ضرب في البصرة 441هـ وهذا أول نوع ذكر عليه مكان وتاريخ الضرب، هذا الى جانب النقود اليمنية الخاصة بالدولة الهادوية وأمامها هو أول من ضرب نقوداً تحمل إسمه (الامام الهادي للحق امير المؤمنين اِبن رسول الله ) سنة 192هـ بصعدة الى جانب مجموعة من النقود التي تنتقل بين عدد من الدويلات التي قامت في اليمن.
ومن الظريف أن يوسف حصل على مجموعة نقدية تحمل إسم كلمة (المحروس) وكما يظهر أنه أسم او لقب أحد الحكام ، ولأن مصادر التاريخ لم تذكر حاكماً في اليمن بهذا الأسم أو اللقب فقد شك يوسف في بداية الأمر خاصة عند حصوله على القطعة الأولى لكنه فوجئ بتوافر عدد كبير من هذه القطع وبأحجام وأنواع ومواد مختلفة وفي مناطق كثيرة من اليمن مما يؤكد أنه كان هناك حاكم لأحدى الدويلات اليمنية يدعى المحروس تجاهلته مصادر التاريخ ، كما وجدت نقود بأسم حاكم ما قبل قيام دولته فعلياً مما يدل على أن صك النقود كان أحد أساليب المعارضة السياسية وتمهيداً لأنقلابات كانت تتم .
كما وجدت مع يوسف عدد من النقود تنتمي.. الى دولة بني رسول أبتداء من المنصور حتى آخر حكامها و هي أقوى الدول اليمنية التي بسطت نفوذها على اليمن كاملاً ثم نقود دولة آل القاسم الزيدية الهادوية وفي هذه الفترة دخل على العالم الأسلامي ضيفان ثقيلان هما المغول حيث يوجد درهم نحاس مغولي وكذا الصليبيون حيث توجد أحدى قطعهم النقدية . هذا من جانب النقود الخاصة بالعهد العثماني الأول والثاني الذي أنتهى في بداية القرن العشرين التي كانت لها أسماء خاصة مثل (اوش وبيشة وغيرهما) كما يمتلك ايضاً نقوداً ما كان يعرف بالمملكة المتوكلية في الجزء الشمالي من اليمن، فإلى جانب أستخدام نقود ماريا تريزا والعملة العثمانية قام الأمام يحيى حميد الدين بسك عملة خاصة بدولته كانت تسمى (الريال العمادي) ثم جاء بعده (الريال الأحمدي) نسبة الى أبنه الأمام أحمد بن يحيى حميد الدين وواصل يوسف الطيار جمعه للنقود حتى يومنا هذا.
إبداع فني
ويتحدث يوسف الطيار عن خصائص ومميزات النقود اليمنية قائلاً: أن مسكوكات النقود اليمنية تعددت وتنوعت معادنها واشكالها فكل اِطار مسكوكه منها يكون ناقص الشكل الهندسي وقد أعتبر هذا قمة الابداع في التعامل مع فن الهندسة والرسم ويعد كل شكل من أشكال المسكوكات اليمنية لوحة فنية بما جاء فيه من الصور والرسوم (آدمية وحيوانية وطيور ونقوش وكتابات).
وللمسكوكات اليمنية منسماً أو ثقباً يأتي على حافة أطارها يميزها عن غيرها وهذا الثقب يعد منفذاً يربط وجه المسكوكه بظهرها أفتعله المبدع اليمني لإستكمال الكتابات أو الأشكال التي بدأت بها في أحد الوجهين ليكمله في الوجه الآخر كما يعتبر ذلك الثقب كمعلم وأشارة لصور أوبداية أتجاه العملة أو النص وهذه ميزة وخصوصية ظلت ملتصقة أو مسايرة للنقود اليمنية منذ بداية السك في الحضارة اليمنية القديمة وحتى النصف الأول من القرن العشرين وبداية عهد الأمامة (المملكة المتوكلية).
وتمتاز النقود اليمنية التي تعود لفترات ما قبل الأسلام بتعدد الصور والرسومات فقد يحمل وجه العملة الواحدة عدة صور والصورة الواحدة تحمل صوراً وأشكالاً وقد تلاحظها مباشرة على النقود أو عند تدويرها.
وللنقود اليمنية التي تعود الى ماقبل الأسلام شعارات رسمية هي البوم والصقر والثور والخيل والاسد -(الرأس منها او بكاملها)، وهي الرموز او الشعارات التي استخدمها اليمنيون القدامى والتي سادت انذاك وكانت تأتي مجتمعة في كل مسكوكه مع بروز احد تلك الشعارات بشكل مبكر وواضح وتصغير الاخرى وقلما تأتي منفردة واستمر ذلك حتى بداية العهد الحميري (سبأ وذورريدان).
- بعض النقود اليمنية القديمة -ماقبل الاسلام تم سكها من معدنين او اكثر (ذهب ،نحاس ، برونز ليس بمثابة خلط المعادن فحسب بل تأتي كتل مقسمة في القطعة الواحدة فمثلاً المسكوكة من النحاس فيها رسوم وكتابات وتأتي احد تلك الصور والرسوم من معدن الذهب او العكس لكي يتم تميز الشكل او الصورة وتعطي القطعة شكلاً جمالياً رائعاً .
اذاً يوسف الطيار الذي أستطاع أن يجمع هذا الكم الهائل والنفيس من مسكوكات النقود اليمنية والعربية والتي يعود تاريخها الى عصر الأنسان الأول يتمنى أقامة متحف خاص بهذه العملات ليتسنى للسياح والباحثين التعرف عن الحضارة اليمنية القديمة بكل تفاصيلها من خلال النقود.
المصدر - جريدة 29 سبتمبر
2009-12-22, 06:20
